فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه سبحانه بين السبب في ترك تعجيل العذاب فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} والفضل الإفضال ومعناه أنه متفضل عليهم بتأخير العقوبة، وأكثرهم لا يعرفون هذه النعمة ولا يشكرونها، وهذه الآية تبطل قول من قال إنه لا نعمة لله على الكفار ثم بين سبحانه أنه مطلع على ما في قلوبهم فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} وهاهنا بحث عقلي، وهو أنه قدم ما تكنه صدورهم على ما يعلنون من العلم والسبب أن ما تكنه صدورهم هو الدواعي والقصود، وهي أسباب لما يعلنون، وهي أفعال الجوارح، والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول، فهذا هو السبب في ذلك التقديم، قرئ: {تكن} يقال كننت الشيء وأكننته إذا سترته وأخفيته، يعني أنه تعالى يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول ومكايدهم.
أما قوله: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} فقال صاحب الكشاف: سمى الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية، فكانت التاء فيها بمنزلتها في العاقبة والعافية والنطيحة والذبيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالراوية في قولهم: ويل للشاعر من راوية السوء، كأنه تعالى قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء، إلا وقد علمه الله تعالى وأحاط به، وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة.
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)}.
اعلم أنه سبحانه لما تمم الكلام في إثبات المبدإ والمعاد، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة، ولما كانت العمدة الكبرى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن، لا جرم بين الله تعالى أولًا كونه معجزة من وجوه: أحدها: أن الأقاصيص المذكورة في القرآن موافقة لما كانت مذكورة في التوراة والإنجيل مع العلم بأنه عليه الصلاة والسلام كان أميًا، وأنه لم يخالط أحدًا من العلماء ولم يشتغل قط بالاستفادة والتعلم، فإذن لا يكون ذلك إلا من قبل الله تعالى، واختلفوا فقال بعضهم أراد به ما اختلفوا فيه وتباينوا، وقال آخرون أراد به ما حرفه بعضهم، وقال بعضهم بل أراد به أخبار الأنبياء، والأول أقرب وثانيها: قوله: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} وذلك لأن بعض الناس قال إنا لما تأملنا القرآن فوجدنا فيه من الدلائل العقلية على التوحيد والحشر والنبوة، وشرح صفات الله تعالى وبيان نعوت جلاله ما لم نجده في شيء من الكتب، ووجدنا ما فيه من الشرائع مطابقة للعقول موافقة لها، وجدناه مبرأ عن التناقض والتهافت، فكان هدى ورحمة من هذه الجهات ووجدنا القوى البشرية قاصرة على جمع كتاب على هذا الوجه، فعلمنا أنه ليس إلا من عند الله تعالى، فكان القرآن معجزًا من هذه الجهة وثالثها: أنه هدى ورحمة للمؤمنين، لبلوغه في الفصاحة إلى حيث عجزوا عن معارضته وذلك معجز، ثم إنه تعالى لما بين كونه معجزًا دالًا على الرسالة ذكر بعده أمرين: الأول: قوله: {إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ العزيز العليم} والمراد أن القرآن وإن كان يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، لكن لا تكن أنت في قيدهم، فإن ربك هو الذي يقضي بينهم، أي بين المصيب والمخطىء منهم، وذلك كالزجر للكفار فلذلك قال: {وَهُوَ العزيز} أي القادر الذي لا يمنع العليم بما يحكم فلا يكون إلا الحق، فإن قيل القضاء والحكم شيء واحد فقوله: {يَقْضِى بِحُكْمِهِ} كقوله يقضي بقضائه ويحكم بحكمه والجواب: معنى قوله: {بِحُكْمِهِ} أي بما يحكم به وهو عدله، لأنه لا يقضي إلا بالعدل، أو أراد بحكمه، ويدل عليه قراءة من قرأ: {بحكمه} جمع حكمة الثاني: أنه تعالى أمره بعد ظهور حجة رسالته بأن يتوكل على الله، ولا يلتفت إلى أعداء الله، ويشرع في تمشية مهمات الرسالة بقلب قوي، فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثم علل ذلك بأمرين: أحدهما: قوله: {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} وفيه بيان أن المحق حقيق بنصرة الله تعالى وأنه لا يخذل وثانيهما: قوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} وإنما حسن جعله سببًا للأمر بالتوكل، وذلك لأن الإنسان ما دام يطمع في أحد أن يأخذ منه شيئًا فإنه لا يقوى قلبه على إظهار مخالفته، فإذا قطع طمعه عنه قوي قلبه على إظهار مخالفته، فالله سبحانه وتعالى قطع محمدًا صلى الله عليه وسلم عنهم بأن بين له أنهم كالموتى وكالصم وكالعمى فلا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل، وهذا سبب لقوة قلبه عليه الصلاة والسلام على إظهار الدين كما ينبغي، فإن قيل ما معنى قوله: {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} جوابه: هو تأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبرًا كان أبعد عن إدراك صوته.
أما قوله تعالى: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} فالمعنى ما يجدي إسماعك إلا الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته، أي يصدقون بها فهم مسلمون، أي مخلصون من قوله: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] يعني جعله سالمًا لله تعالى خالصًا له، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)}.
التاء في {غائبة} للمبالغة، أي ما من شيء في غائبة الغيب والخفاء {إلا في كتاب} عند الله عز وجل وفي مكنون علمه، ثم نبه تعالى على {إن هذا القرآن} أخبر {بني إسرائيل} بأكثر الأشياء التي كان بينهم الخلاف في صفتها فجاءت في القرآن على وجهها، ثم وصفه تعالى بأنه هدى ورحمة للمؤمنين، كما أنه عمى على الكافرين المحتوم عليهم ومعنى ذلك أن كفرهم استتب مع قيام الحجة ووضوح الطريق فكثر عماهم بهذه الجهة ثم أخبر أن ذلك كله بقضاء من الله وحكم قضاه فيهم وبينهم، ثم أمره بالتوكل عليه والثقة بالله وبأنه {على الحق} أي إنك الجدير بالنصرة والظهور، ثم سلاه عنهم وشبههم ب {الموتى} من حيث الفائدة في القول لهؤلاء وهؤلاء معدومة فشبههم مرة ب {الموتى} ومرة ب {الصم}، قال العلماء: الميت من الأحياء هو الذي يلقى الله بكفره.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: واحتجت عائشة رضي الله عنها في إنكارها أن النبي صلى الله عليه وسلم أسمع موتى بدر بهذه الآية، ونظرت هي في الأمر بقياس عقلي ووقفت مع هذه الآية وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما أنتم بأسمع منهم» فيشبه أن قصة بدر هي خرق عادة لمحمد عليه السلام في أن رد الله إليهم إدراكًا سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين منهم.
وقد عورضت هذه الآية بالسلام على القبور وبما روي في ذلك من أن الأرواح تكون على شفير القبور في أوقات قالوا: فلو لم يسمع الميت لم يسلم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله غير معارض للآية لأن السلام على القبور إنما هو عبادة وعند الله الثواب عليها وهو تذكير للنفس بحالة الموت وبحالة الموتى في حياتهم، وإن جوزنا مع هذا أن الأرواح في وقت على القبور فإن سمع فليس الروح بميت وإنما المراد بقوله: {إنك لا تسمع الموتى} الأشخاص الموجودة مفارقة لأرواحها، وفيها تقول خرفت العادة لمحمد عليه السلام في أهل القليب وذلك كنحو قوله صلى الله عليه وسلم في الموتى «إذا دخل عليهم الملكان إنهم يسمعون خفق النعال»، وقرأ ابن كثير {ولا يسمع} بالياء من تحت {الصمُّ} رفعًا ومثله في الروم، وقرأ الباقون {تُسمع} بالتاء {الصمَّ} نصبًا، وقرأ جمهور القراء {بهادي العمي} بالإضافة، وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيوة {بهادٍ العميَ} بتنوين الدال ونصب {العميَ} وقرأ حمزة وحده {وما أنت تهدي العمي} بفعل مستقبل وهي قراءة طلحة وابن وثاب وابن يعمر، وفي مصحف عبد الله {وما أن تهدي العمي}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِنَّ ربَّكَ لَذُو فَضْلٍ على النَّاس}.
قال مقاتل: على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب.
قوله تعالى: {وإِنَّ ربَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدورهم} أي: ما تُخفيه {وما يُعْلِنون} بألسنتهم من عداوتك وخلافك؛ والمعنى: أنه يجازيهم عليه.
{وما مِنْ غائبة} أي: وما من جملة غائبة {إِلا في كتاب} يعني اللوح المحفوظ؛ والمعنى: إِنَّ عِلْم ما يستعجلونه من العذاب بَيِّنٌ عند الله وإِن غاب عن الخَلْق.
{إِنَّ هذا القرآنَ يَقُصُّ على بني إِسرائيل}.
وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم، فصاروا أحزابًا يطعن بعضهم على بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه، فلو أخذوا به لسلموا.
{إِنَّ ربِّكَ يقضي بينهم} يعني بين بني إِسرائيل {بِحُكْمِهِ} وقرأ أبو المتوكل؛ وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: {بِحِكَمِه} بكسر الحاء وفتح الكاف.
قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الموتى} الموتى قال المفسرُون: هذا مَثَلٌ ضربه الله للكفار فشبَّههم بالموتى.
قوله تعالى: {ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ} وقرأ ابن كثير: {ولا يَسْمَعُ الصُّمُّ} بفتح ميم {يَسْمَعُ} وضم ميم {الصُّمُّ}.
قوله تعالى: {إِذا ولَّوا مُدْبِرِينَ} أي: أن الصُّم إِذا أدبروا عنك ثم ناديتَهم لم يسمعوا، فكذلك الكافر {وما أنتَ بِهَادِ العُمْيِ} أي: [ما أنت] بمرشِد من أعماه الله عن الهدى، {إِنْ تُسْمِعُ} إِسماع إِفهام {إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتنا}. اهـ.